"النص الرقمي وإبدالات النقل المعرفي"
عرض : حمير الحوري
المثقف اليمني
يتناول كتاب " النص الرقمي وإبدالات النقل المعرفي" للدكتور محمد مريني الصادر عن مجلة الرافد والذي جاء في 110 صفحة، مسألة التطور والتحول التي طرأت على النص بفعل التقنيات الرقمية الجديدة حيث أثرت في "النص" بشكل مباشر في تعريفه وبناءه ودلالاته بل وآثاره على المتلقي، حتى أصبح لدينا "النص الرقمي" الذي يختلف في كثير من جوانبه وخصائصه عن النص التقليدي.
جاء الكتاب في أربعة فصول وهي "ما قبل النص الرقمي" و"النص المتشعب التجسيد الأمثل للنص الرقمي" و"أنماط النشر التراثي في المكتبات العربية الرقمية" و "الثورة الرقمية وإبدالات الكتابة والقراءة"، وبقية الفصول عدا الفصل الأول سنعرض لها في وقت لاحق إن شاء الله، وعن أهم ما ورد في الفصل الأول " ما قبل النص الرقمي" نعرضه في التالي :
- النص عند العرب هو البروز والظهور ويرى الزمخشري أن المعنى الرئيس في النص هو الرفع والانتصاب وما سوى هذا المعنى من المجاز، وهذا المعنى في النص ظهر بقوة عند الأصوليين في قراءتهم للنصوص الشرعية إذ أصبح النص عندهم هو ما يحتمل معنًى واحد، ولهذا فهو عندهم ثلاثة أقسام، النص المنتج لمعنى واحد لا يحتمل غيره، النص المنتج لمعنى راجح، النص المجمل الذي لا يدل على المراد منه بلفظه.
كما ميزوا النص من حيث الدلالة إلى ثلاثة أقسام إشارة النص واقتضاء النص وإيماء النص.
- وعن معنى النص عند العرب المحدثين، فلا يختلف عن معناه عند الغربيين وهو يختلف عن معنى النص –الضيق- في المجال الثقافي العربي، فكما أشرنا أن معنى النص اللغوي عند العرب هو الرفعة والبلوغ والبروز، واصطلاحا : " ما يحتمل معنًى واحد"، بينما النص عند الغربيين هو النسيج الذي تولدت عنه مفاهيم عديدة بالتشبيهات والاستعارات، وهو يختلف عن النص في المجال الثقافي العربي والإسلامي الذي لا يعني النسيج وإنما هو من الظهور والبروز، ولهذا يرى بعض الباحثين أن ترجمة كلمة " text " إلى " النص " غير دقيقة!.
- والنص عند العرب والغربيين هو ما كان مكتوبا لأن طريقة تشكيل الحروف بطريقة خطية توحي أكثر من الكلمة بما تحمله الكتابة من معاني " الانحباك" "والتشابك" إذ يتعلق ذلك بضمانة الأشياء المكتوبة التي تجتمع فيها وظائف المحافظة التي تتمثل في الثبات واستمرارية التسجيل الهادفة إلى تصحيح هشاشة وانطباعية الذاكرة.
- كما تناول الكاتب في هذا الفصل تعامل بعض الاتجاهات مع "النص"، مثل الاتجاه الكلاسيكي الذي يرى أن النص يعبر عن الحقيقة ويحتوي عليها، غير أن كثيرا من النصوص تحتاج إلى تأويل لاستنباطها، كما أشار إلى تعاطي منهج العلوم الطبيعية وأدواتها البحثية لبلورة مفهوم النص وتفسيره، وتعرض لتناول بعض النظريات " للنص" مثل الماركسية واعتبارها النص سلعة أو صنعة ايديلوجية، والتحليل النفسي الذي اعتبر النص " وثيقة نفسية" من خلال التركيز على الأسباب اللاشعورية الكامنة وراءه.
ثم عرض الكاتب باختصار إلى النظريات التي تركز على البعد الوظيفي للنص والبنيويون الذين ركزوا على النص في بناءه الداخلي دون البحث في علله الخارجية!، كما تناول رصد "النص" من ناحية علم العلامات -السيمائية-.
- وعن أهم التغيرات الجذرية التي طرأت على النص بعد "تيارات ما بعد الحداثة"، يشير إلى أن النص لم يعد كيانًا مغلقًا محملا بالأحكام القطعية التي تقوم على وهم مفاده أن مؤلفه يمتلك اليقين ويعرف الحقيقة المطلقة!، بل أصبح النص كيانا مفتوحًا محملا بدلالات لا تنتهي، ومن هذا المنظور سيتغير مفهوم القراءة والتي ستعرّف بأنها "عملية صب المعاني في النص" وليست عملية استخراج المعاني من النص أو الوصول إلى ما يريد الكاتب أن يقوله كما كان شائعًا في الدراسات الكلاسيكية.
يلخص الكاتب مقصده في نهاية الفصل بقوله : " لقد تحول النص مع اتجاهات ما يعد الحداثة من الانغلاق إلى الانفتاح؛ لم يعد مفهومًا مغلقًا في حدوده ومفاهيمه كما كان في السابق، بل أصبح ينضر إليه في "تعالقه" مع نصوص أخرى، لم يعد منتوجًا نهائيًا، بل دليلًا منفتحًا متعدد الدلالات، تؤشر هذه التحولات على الإبدالات التي سيأتي بها النص الرقمي، خاصة في شكله المتطور الموسوم "بالنص المتشعب".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق